النشرة البريدية من جريدة الطبيب
سجل بريدك هنا ليصلك جديد الأخبار من جريدة الطبيب
"أهـل مصــر" .. حكاية أول صرح متخصص لعلاج الحروق فى مصر والشرق الأوسط بالمجان
الأربعاء 11 شوال 1438 هـ - الاربعاء 5 يوليو 2017 م      09:33:25 AM

تحقيق : رانـدا يحيى يوسف

- منظمة الصحة العالمية : عدد ضحايا الحروق فى مصر تصل لأكثرمن  100,000 مصاب سنويا .
- د. عاطف إمام : تضافر الجهود وزيادة المبادرات الداعمة والمتبنية لرعاية مرضى الحروق
- د. عادل أحمد : إصابــات الحــروق من أبرز الهمــوم فى قلــب المجتمــع المصــرى .
- د. عبدالرحمن عصفور : تعتبرالحروق بأنواعها السبب الثالث للوفاة فى مصر . 
 
 
شاءت الأقدار يتحول مسار حياتهم إلى رحلة متواصلة للبحث عن علاج متخصص يداوى بنيانهم ويرمم كيانهم،يطرقون كافة أبواب الأمل فى سبيل العثورعلى وحدات متخصصة لعلاجهم وتخفيف آلامهم، بعد أن تبدلت ملامحهم وتشوهت أبدانهم بدرجات متفاوتة ولأسباب مختلفة .. إنهم ضحايا الحروق الذين عايشوا الموت وهم أحياء،ولا يتبقى لهم سوى التطلع لغدٍ أفضل يعُيد إليهم اليسير من حقوقهم الإنسانية التى انتهكت حرمتها النيران فشوهتهم وطمست معالمهم.
 
ولأن الكوارث التى تخلفها الحروق تمتد تأثيراتها من وفيات وإصابات جسدية وعاهات دائمة إلى استنزاف الاقتصاد الوطنى؛فالأمر يستدعى دق ناقوس الخطر والتفكير جدياً بوضع إستراتيجيات واضحة للوقاية من حوادث الحرائق ومتابعة تنفيذها بكل مسؤولية وطنية وحس انتماء للوطن وجدية بالمتابعة.
 
ومن ضمن هذه الإستراتيجيات التوعية الصحية الجادة التى تسهم فى بناء الأجيال الواعية بدورها الوطنى والقادرة على حماية نفسها والآخرين من الحرائق بأنواعها المختلفة.
 
الصرح الطبى الجديد لرعاية مرضى الحروق بالمجان فى مصر هو هدف نبيل وفرصة حقيقة لتقديم جرعة من المشاركة المجتمعية الفعالة والتفاؤل المبنى على الواقع الفعلى والحقائق ، وعند اكتماله سيعد أحد أهم الصروح التى عرفتها الإنسانية منذ عقود ، الأهـرام شاهدتـه وهو لايزال فى مهده،لترصد هذا الواقع عن قرب وتقدمه للقارئ كما هو عبر السطور القادمة  .. 
 
الخدمات الطبية لمرضى الحروق
يقول الدكتور عاطف أمام أستاذ جراحة التجميل والحروق بالأكاديمية الطبية العسكرية انه على الرغم من تحمل القطاع الطبى العام للجزء الأكبر من الخدمات الطبية فى مجال رعاية مصابى الحروق ،إلا ان الأمر يحتاج إلى المزيد من تضافر الجهود وزيادة المبادرات الداعمة والمتبنية لرعاية مرضى الحروق،بما يكفل تكوين البنية التحتية المناسبة التى تساعد على تحمل العدد الكبير من إصابات الحروق التى تحدث سنويا.
 
ويشير الدكتور عاطف إلى تزايد معدلات الحروق فى المناطق العشوائية نظراً لإفتقارها لوسائل السلامة الأمنية اللازمة  وللتوعية المناسبة ، ويوضح ان التعرض للنار المباشرة والأسطح والسوائل الشديدة السخونة يمثل نحو 90% من أسباب إصابات الحروق فى مصر، ويرجع ذلك إلى الممارسات المنزلية غير الآمنة وإنعدام الوعى المجتمعى ، كما تمثل إصابات السوائل الحارقة الغالبية فى المناطق الصناعية .
 
 ويضيف انه من أخطر أنواع الحرائق الإكتواء بماء الناروهى مادة كاوية حارقة تسلخ اللحم عن العظام وتحدث تحلل فى العضو الذى تسقط عليه ، لذا فهو يعد أخطر أنواع إصابات الحروق حيث يترتب عليه تدمير حياة الإنسان وتشويه معالمه ، وهو جريمة ممتدة الآثار والنتائج ، ولا تندمل جراحها على المدى القريب وإنما يشوه كذلك البناء الداخلى للمصاب ويعتبر جريمة نفى وإقصاء وعزل للضحية وحرمانها من الإندماج فى الحياة الطبيعية.
 
ويؤكد كذلك على ضرورة تفعيل آليات للعمل المشترك بين كافة المراكز المتخصصة لعلاج الحروق والجامعات ومستشفيات وزارة الصحة وكذلك الجمعيات الخيرية لتقديم الدعم الكافى لهم ، خاصة مع وجود نقص شديد فى عدد أسرة الرعاية المركزة بوحدات رعاية الحروق،وينوه الى أهمية الدور الإعلامى فى توعية المواطنين بالإسعافات الأولية الصحيحة لمتضررى الحروق .                                                                                    
درجات الحروق
ويوضح الدكتور عبدالرحمن عصفور إستشارى جراحة التجميل والحروق والليزر - جامعة القاهرة درجات الحروق والتى تتراوح ما بين حروق الدرجة الأولى وهى أقل أنواع الحروق خطورة وتشمل الطبقة الخارجية من الجلد كحروق الشمس ، وتليها حروق الدرجة الثانية والتى تؤثر على الطبقة الخارجية من الجلد بالكامل ، ثم الحروق من الدرجة الثالثة والتى تمثل خطورة بالغة على حياة المريض حيث تمتد آثارها إلى الطبقة السفلى من الجلد متسببًة فى تلف طبقات الجلد الثلاث والعضلات التى توجد تحتها الأوتاروالعظام وقد تتلف هى الأخرى وبسببها قد يبدو الجلد المحترق ذو لون أبيض أو أسود متفحم.
 
ويشير الدكتور عبدالرحمن إلى ان خطورة الحرق يقدرها الطبيب وفقاً لعدة عوامل منها عمق الحرق ومقاسه وموضعه ، كذلك سن المصاب فتكون اكثر خطورة عندالأطفال والمسنين ، كما يؤخذ فى الإعتبار الصحة العامة للمريض وذوى الحالات الخاصة  والذين قد يعانون من مضاعفات إضافية للحرق . 
 
منظمات المجتمع المدنى
يوضح الدكتور عادل أحمد المسئول عن القطاع الطبى لمستشفى الحروق الجديد  انه مع الزيادة فى معدلات الحروق ؛ باتت الحاجة ملحة لإنشاء صروحاً طبية متخصصة لإستيعاب أكبر عدد من الحالات وتقديم الإسعاف اللازم لهم فور الإصابة بالحرق مباشرة،حتى يتم تعويض السوائل التى فقدها الجسم، ثم يعقب ذلك التدخل التجميلى فى مرحلة لاحقة.
 
ولذلك كان الهدف الأساسى لبناء المستشفى  هو تقديم نموذج عالمي في منظومة العلاج الشامل لضحايا الحروق , و الذي لا يشمل فقط العلاج الجسدي و إنما يتخطي ذلك إلي التأهيل البدني و النفسي و توفير كل السبل لإعادة إدماج ضحية الحروق ليصبح أكثر قدرة علي تنمية مهاراته و يكون عضوا مؤثرا و منتجا في المجتمع.
 
ويرى أن مستشفى أهل مصر تعد أول مستشفى متخصصة لإستقبال وعلاج مرضى الحروق فى الشرق الأوسط على مساحة 12000 ألف متر مربع ،لإستقبال  نحو 1500 منتفع يومياً.
 
ويضيف ان المستشفى الجديد تم تصميمه وفقا لأحدث وأشمل المعايير الطبية العالمية ، بعد إجراء دراسة بيئية عميقة بما يضمن التعامل الآمن مع المخلفات والإستخدام الأمثل لمصادر الطاقة،كما يتضمن المشروع على العديد من مراكز التدريب المتكاملة ومراكز الأبحاث الإكلينيكة المتخصصة،بالإضافة إلى قاعات للمؤتمرات داخل الصرح الطبى العملاق،على النحو الذى يضمن تقديم العناية الفائقة للمرضى ومسايرة أحدث التقنيات الحديثة،وسوف يضم 5 حجرات عمليات و 60سرير رعاية مركزة،24غرفة بقسم الرعاية الوسيطة،وعيادات خارجية ومعمل متكامل و مركز أشعة متكامل ووحدات ليزر وصنفرة ووحدة علاج الألم ووحدة التأهيل البدنى والنفسى.
 
ولفت إلى أنها وحدة الرعاية المركزة المتخصصة الأولى من نوعها فى إستقبال حالات الحروق، وذلك فى ظل أزمة وحدات الرعاية المركزة فى مصر بوجه عام والإضطرار إلى معالجة مصابو الحروق مع باقى المصابين داخل وحدات الرعاية المتخصصة .
 
منظمة الصحة العالمية
وفقاً لإحصائيات منظمة الصحة العالمية فإن معدلات الحروق تعتبرالسبب الثالث للوفاة فى مصر ، حيث يصل عدد ضحايا الحروق لأكثر من  100,000 مصاب سنويا  أى بما يعادل 300 مريض يوميا ً، كما ان تباعتها من الأمراض المميتة كالعدوى البكتيرية والفيروسية والتقرحات وغيرهم يتسبب فى وفاة  نحو 37% من إجمالى حالات الحروق سنويًا، وان نحو 40,000 تكون اصابتهم عميقة ويتوفوا خلال 6ساعات.                                                                          
 
قصص واقعية فى انتظارالمساعدة
 
"جريدة الطبيب"  تجولت داخل غرف الرعاية بالمستشفيات والمراكز الطبية المتخصصة فى علاج الحروق وأقسامها التابعة لمستشفيات وزارة الصحة؛لنعايش عن قرب مأسى مصابى الحروق ولننقل صورة مصغرة لنماذج حية تتمسك بالحياة،أنفاسها مكلومة وأناتها مفزوعة،فهم أقرب إلى بقايا أجساد مشبعة برائحة النيران التى شوهتهم وطمست معالمهم،وأبت أن تفارقهم إلا مشوهين بإعاقات بدنية ونفسية مميتة،فحتى وإن إختلفت إصابات الحروق إلا انها تظل نيران مشتعلة لم تفرق ألسنتها المتصاعدة بين أمهات أوآباء أو زوجات أو أبناء فى عمر الزهور أضعفتهم آلام الحروق؛ فعرفوا اليأس قبل ان يدركوا معنى الأمل .. 
 
أنبوبة البوتجاز قنبلة موقوتة
"وعد" طفلة صغيرة لم يتجاوز عمرها الخمس سنوات،تحتاج لأكثر من عملية ترميم لتعويض الفاقد من الأنسجة المحترقة فى منطقتى البطن والقدم الذين تآكلوا تماماً جراء تعرضها لإنفجار أنبوبة البوتجاز،وتقول خالتها المرافقه لها بعد ان فقدت الطفلة عائلتها بالكامل فى الانفجار لقد كان الإنفجار مدّوى وكبير ولقد كتب لـ"وعد" عُمر جديد بنجاتها من الحادث،وتعالت دعواتها بأن تتمكن من مواصلة علاجها البدنى والنفسى.
 
 واختتمت كلامها ببكاء هيستيرى وصوت مختنق بالحسرة والوجع الذى لا يوصف وهى تقول : لأول مرة فى حياتى أعرف معنى مصائب الغفلة والتى تحتاج لكل ذو قلب رحيم واستحلفتنا بنقل كلماتها ووجيعتها قدر المستطاع وان نساند الطفلة التى فقدت عائلتها فى لحظات وتحتاج للعلاج الذى يفوق طاقتها وإمكانياتها وليس لها بديل سوى الإنتظار .
 
الاكتواء بماء النار
- الحالة الثانية لإمرأة شابة فى العشرينيات من عمرها،خضعت لأكثر من 11 عملية تعويضية ولا تزال حالتها تحتاج لعمليات أخرى،تبدأ فى رواية قصتها بذكرياتها قبل الإصابة عندما كانت طالبة جامعية تستعد لخوض الامتحانات النهائية بإحدى الكليات النظرية وكانت حينئذٍ ترسم خطوط مستقبلها بتطلعات شبابية يملؤها الحماس والأمل والتفاؤل.
 
وإستطردت سرد ذكرياتها بنظرة تعلوها الإنكسارمن عينها السليمة حيث فقدت أحد عينيها فى الحادثة،تصف مشاعرها البائسة التى كادت تصل بها لدرجة الإنتحاربعدما تعرضت لأبشع جريمة يمكن أن تطال إنسان،فلقد باغتها خطيبها السابق برد فعل عنيف وألقاها بماء النار ليكتوى جسدها النحيل بالمادة الكاوية الحارقة وتطمس معالم وجهها ورقبتها وجانبها الأيمن بالكامل فى لحظات وينطفأ نورعينها اليمنى،إلى هنا انتهى حديثها وجاء دورنا للتربيت على كتفها ومحاولة تهدأتها وطمأنتها قدر المستطاع بأن علاجها سوف يستكمل بإذن الله وسنعود لمقابلتها بعد ان تعود لها البسمة من جديد .
 
إصابة بالجير الحىّ
- إسترعى انتباهنا شاب فى منتصف العمريجلس فى وضعية القرفصاء وحيداً صامتاً ويصدر عنه آنين وآهات متواصلة وكان يتمتم بكلمات أقرب للدعاء،إقتربت منه لمعرفة حكايته فقال لىّ بعد تكرار السؤال عليه،أنا أدعى "صابر"من الشرقية ولىّ نصيب كبير من إسمى لأتحمل ما أنا عليه،فقد كنت أعمل كنقاش لسنوات طويلة إلى ان اكتسبت شهرة فى بلدى وأصبحت أقوم بمقاولات لمشاريع كبيرة،وبعد حين بدأت أتعلم صناعة التماثيل من الجير الحىّ ووجدت فيها مصدر رزق كبير يرتبط بحرفتى،ولكن تأتى الرياح بما لاتشتهى السفن ويشاء المولى فى يوم تغافلت فيه عن ارتداء القناع الواقى،أن تدخل حبيبات الجيرفى عيناى وتحرقهما على الفور،ويقرر الأطباء ضرورة السفر للخارج للعلاج وأمام ضيق ذات اليد يحدونى الأمل فى إنشاء مستشفى مصرية متخصصة لعلاج حالات الحروق المستعصية كحالتى،والتى ستصبح بريق أمل ونبض حياة،بل طوق نجاة من الإعاقة التى شئنا أم أبينا أصبحنا جزء منها .
 
معاناة مستمرة
وفى إحدى وحدات الحروق إلتقينا بسيدة متوسطة العمر وبدا عليها انها كانت على وشك الإنصراف تاركةً كافة أغراضها وعلاجها،إقتربت منها لسؤالها عن حالتها الصحية وهل انهت جلسات علاجها وتماثلت للشفاء أم لاتزال نزيلة بالمستشفى،فدعتنى لمواصلة حديثنا أثناء توجهها لمرفق مترو الأنفاق حيث تعمل هناك كـ "عاملة نظافة" ولا تريد أن تتأخر على موعد تسلمها الوردية !                                                                                      
وأثناء ذلك رفعت النقاب لتكشف لىّ عن وجهها ويديها الذين يكسوهما آثار حروق مدمرة مما جعلها ترتدى النقاب والقفاز طوال الوقت حتى لا يشمئز منها الناس على حد قولها ، وتعود بالذاكرة لسبب الإصابة منذ سنوات أثناء إعدادها الطعام لأسرتها وإنفجار موقد الطعام فيها . 
 
ضحايا الألعاب النارية
وفى جولة سريعة لغرف الرعاية الخاصة بالأطفال إلتقينا بوالد الطفل "حمزة" الذى تختفى ملامح وجهه البرئ خلف الضمادات ولفائف الشاش،تحدث إلينا الأب بصعوبة بالغة عن الحادث الذى أصاب نجله جراء اللعب بما يسمى "الصاروخ" أو "مدفع رمضان"،وأخذ يصف شكل الشظايا التى تناثرت كالقذائف فى وجه ابنه وكأنها أصيبت بالجنون وتذكر قلة حيلته فى السيطرة عليها،ثم أوصى الأب المكلوم وهو فى حالة إنهيار وذهول كاملين ان يحتاط جميع الآباء والأمهات من تلك الألعاب الخطيرة والمدمرة على حد تعبيره،حيث ان إصابتها لا تقتصر على الحروق فقط وإنما قد تصل لتدمر أحد أعضاء الجسد أو الإصابة بعاهة مستديمة تقضى على حاضر ومستقبل فلذات أكبادنا  .                   
 
مصابة كنيسة مارجرجس
ومن بين الحالات التى لا تنسى،لقاؤنا بالسيدة ايزيس توفيق التى أصيبت فى الانفجار الغادر بكنيسة مارجرجس بطنطا،وهى أرملة وحيدة لم تنجب أولاداً ، تروى بصعوبة بالغة عن إصابتها التى فقدت على أثرها عينها اليسرى وتناثرت الحروق الشديدة فى وجهها بالكامل و مناطق عديدة فى الجسم، ولبعض دقائق أخذت تستعيد المشهد الدامى فى مخيلتها،ولم تتمنى شيئ سوى ان تستعد عافيتها وتلملم ما تبقى لها من شتات نفسها المجروحة،لتحيا ما تبقى لها من عمرها بلا آلام أو ندوب تذكرها بالحادث الأليم.
أضف تعليق
: الإســـــــــــــــــــم
: عنــــوان التعليق
: البريد الالكترونى
: التعليــــــــــــــــق
الأكثر قراءة

جميع الحقوق محفوظة لجريدة الطبيب الألكترونية 2012
تصميم وبرمجة مؤسسة الطبيب للصحافة والنشر