د.هبه الحبيب.. غياب التقدير في بيئة العمل و الهجمة المرتدة للألم
الاثنين 17 جمادى الثانية 1447 هـ - الاثنين 8 ديسمبر 2025 م 11:54:48 PM
في خلال مسيرتي المهنية ترددت على مسامعي كثيراً هذه العبارة: ( ألمي يبدو مستقراً ولكنه
يتهيج كلما بذلت قصارى جهدي في العمل ولم أجد التقدير رغم ألمي)
كثرت حينها التساؤلات في ذهني حول ما إذا كان فعلياً غياب التقدير في بيئة العمل قد
يساهم في تغذية الألم وتفاقمه؟
فنشأت فكرة هذا المقال ليكون جواباً لفهم الألم من جوانب حياتية بشكل أعمق.
إن الشعور بالتقدير لمساهمات الموظفين وجهودهم في البيئة العملية يعزز من تحفيز الأداء والإنتاجية ويرفع من عامل ثقتهم بأنفسهم، كما يساهم في خلق بيئة ودية بين الزملاء تٌشعرهم بالإيجابية والطموح نحو التقدم. أما إذا حدث العكس وغاب التقدير عن مقاعد الموظفين فقد تتأثر شعلة نشاطهم وأفكارهم التطويرية كما قد ينشأ صراعات في بيئة العمل بسبب الشعور بالإحباط واليأس ما بين الموظفين و بين مرؤوسيهم.
ولكن ما قد يغيب عن بالنا بأن عدم التقدير لن يؤثر فقط على العلاقات البشرية و مقدا
الإنتاجية فحسب فقد أشارت عدة دراسات علمية بأن هناك علاقة سلبية ما بين شدة الألم الجسدي لدى بعض الموظفين وسوء علاقاتهم مع مدراءهم في مكان العمل بسبب عدم تقديرهم لمجهوداتهم عند إنجاز المهام بينما يتلقون فقط الملاحظات السلبية على مهام أخرى.
فما لا يمكن تجاهله بأن الشعور بالألم بحد ذاته قد يخلق بيئة عمل مليئة بالتحديات لأن الموظف قد يحاول الالتزام بالعمل بما يستطيع و إثبات ذاته على الرغم من معاناته المزمنة مع الألم وشعوره بالإرهاق خلال المهام اليومية ولكن نقص التقدير قد يفاقم من كل هذه التحديات ويساهم في تدهور الحالة الصحية للموظف ويقلل من انتاجيته.
وبالتالي فإن ضعف الدعم المقدم من المشرف وعدم تماسك الفريق قد يؤدي لزيادة مستويات التوتر والقلق مما قد يؤثر على تجارب الألم. لأن تجاهل الأخرين لألم الموظف قد يساهم في تفاقم الألم وتهيجه، فإن عدم الشعور بالتقدير قد يؤدي إلى تشابك مجموعة من الآلام الجسدية والعاطفية التي يعزز كل منها الأخر في حلقة مفرغة وإن لم يكن هناك سبب جسدي واضح للألم، لأن تجاهل جهود الموظف قد يثير مشاعر إنعدام القيمة والإحباط والحزن والغضب وكل هذه المشاعر قد تتجلى بشكل آلام جسدية أو تُهيج الآلام الموجودة مسبقاً.
و بكشفنا للجانب المخفي للمعاناة مع الألم بأنه قد يساهم في خلق سلوكيات سلبية لدى الموظف مثل التوتر والإحباط وشعوره بتأنيب الضمير لعدم قدرته على إنجاز مهامه مثل زملائه خصوصاً عندما يكون هناك ضغوطات في مكان العمل وتوجه له الملامة باستمرار من رؤسائه فهذا قد يطور من الألم والشد العضلي المزمن ويساهم في استمراره والحفاظ عليه كما قد تتفاقم المشكلات في بيئة العمل لهذا السبب.
فعندما تنطفئ شمعة التقدير للموظف قد يعرضه هذا النقص لإنخفاض الدافع و الرضا الوظيفي ويقلل من احترامه لذاته وقدراته فيرفع لديه شعور التوتر والقلق لإنعدام الأمان الوظيفي لديه لشعوره بالظلم بسبب نبذه في التعامل وعدم تقديره من مديره على الرغم من معاناته مع الألم الذي يحدث رغماً عنه .
وقد وجدت الدراسات بأن المدراء الذين لديهم وعي محدود بألم موظفيهم حيث لا يستطيعون التمييز بين الآلام المزمنة ومشاكل الآلام اليومية الشائعة التي قد يعاني منها الأشخاص في مرحلة ما من حياتهم وبالتالي فإن السلوك الإداري له دور كبير في كيفية تعامل الموظف مع الألم في العمل وإن بيئة العمل الصحية والإيجابية المليئة بالتقدير والدعم هي جزء من مسؤوليات المشرف لتوفير مكان عمل صحي بقدر الإمكان رغم كل التحديات التي تطال جميع الأطراف بدون استثناء.
وبالتالي فإن إتقان فن التقدير لمجهودات الموظفين واستشعار معاناتهم يساهم في إدارة الألم وتحسين صحة الموظف العامة وتعزز من انتاجيته وقدرته على طرح الأفكار التطويرية ويخلق بيئة عمل صحية .
فإن حسن المعاملة للأخر إما تجعله يُزهر وإما تقتل كل إبداعه، فكما قال المتنبي : وَكُلُّ اِمرِئٍ يولي الجَميلَ مُحَبَّبٌ · وَكُلُّ مَكانٍ يُنبِتُ العِزَّ طَيِّبُ.
و دمتم بصحة وعافية و أمل يارب
د. هبه الحبيب